منوعات

أشرف غريب يكتب: أحد العظماء الخمسة وإن اختلف عنهم عادل إمام.. نجم الشباك الأخير – فن

شتان بين رجل بدأ مشواره متصعلكاً على حد وصفه، وبين الرجل ذاته الذى وصل به مشواره إلى مرتبة الزعامة على حد وصف جمهوره، وبين الوصفين، الصعلكة والزعامة تجربة إنسانية ملهمة تستحق أن تكون أمام أعين كل من يريد لنفسه مكاناً سامقاً وفريداً فى تاريخ الفن العربى.

هذه باختصار هى خلاصة مسيرة النجم عادل إمام، الذى أكمل عامه الرابع والثمانين من عمره المديد.. ففى تاريخ فن التمثيل العربى مئات الأسماء وربما الآلاف التى تمتعت بالموهبة الواضحة والقدرات التمثيلية الكبيرة، فقط قليلون من بين هؤلاء هم من وصلوا إلى مصاف النجوم أصحاب القدرة على تحمل مسئولية العمل الذى يشاركون فيه، ومن بين هذه القلة هناك أسماء يمكن أن تعد على أصابع اليد الواحدة تستطيع أن تصفهم بنجوم الشباك، هؤلاء الذين يذهب إليهم المتلقى تحت أى ظرف، ودون النظر إلى أى عناصر أخرى يمكن أن تشارك فى العمل، هؤلاء الذين تكفى أسماؤهم فقط لإنجاح أى عمل يقدمونه، ويستطيعون الحفاظ على هذه المكانة لفترات طويلة دون أن تهتز تحت أقدامهم علاقتهم بتلك الجماهير، التى منحتهم هذه الحظوة الخاصة، وأنزلتهم ذلك المقام الرفيع.

ووفق هذا المصطلح الهوليوودى وتلك المعايير الصارمة ليس هناك فى تاريخ الفن العربى سوى خمسة أسماء فقط يمكن اعتبارهم نجوماً للشباك، وهم وفق الترتيب الزمنى لظهورهم: أنور وجدى، ليلى مراد، عبدالحليم حافظ، سعاد حسنى، و… عادل إمام، وبخلاف هؤلاء العظماء الخمسة فقد تذبذبت علاقة الجماهير بغيرهم، وتأرجحت صعوداً وهبوطاً بحسب درجة نجاح كل عمل، من دون أن ينقص ذلك من قدراتهم التمثيلية الفائقة، أما أولئك الخمسة المعجونون – فى الأساس – بالموهبة، والمعنيون – بطبيعة الحال – بجودة ما يقدمونه، فحب الجمهور يغفر لهم هناتهم إن حدثت، ويعفو عن أخطائهم إن وقعت، فرصيدهم لديه يكفى، وثقته فى قدرتهم على تجاوز الهنات تشفى، ولذلك بقى هؤلاء الخمسة الكبار على القمة لفترات طويلة، فلا هم مجرد ظواهر، ولا نجاحهم عابر، وإنما هى نعمة من الله اصطفى بها بعضاً من عباده الموهوبين، وصدق الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين حين قال وهو يشخص حالة عادل إمام رابطاً بينه وبين عبدالحليم حافظ أحد العظماء الخمسة هو الآخر:

«لقد صار عادل إمام أسطورة فى حد ذاته، أى أنه ينجح نجاحه الساحق بصرف النظر عن الرواية أو المسرحية، فالناس تذهب لترى عادل إمام، ناس من كل المستويات الثقافية والمادية.. إن نجاحه كامن فى كفاءته التمثيلية النادرة، وحضوره المسرحى الطاغى، فهو فى التمثيل كصوت عبدالحليم فى الغناء».

وإذا كان الكاتب الراحل قد تحدث عن نجومية الشباك التى يتمتع بها عادل إمام مسرحياً، فإن الناقدة الراحلة حسن شاه قالت ما يشبه كلام أستاذها أحمد بهاء الدين فيما يتعلق بتجربة عادل إمام فى السينما، حيث كتبت فى افتتاحية مجلة الكواكب بتاريخ العاشر من يوليو 1984بعد أن شاهدت أحد أفلامه:

«وأنا أشاهد فيلم «احترس من الخط» للمخرج سمير سيف تأكد عندى أن وجود النجم عادل إمام فى أحد الأفلام أصبح يقلب كل معايير النجاح المتعارف عليها فنياً، هذه المعايير التى تجعل نجاح الفيلم يعتمد أساساً على معادلة تتكون من مخرج قوى وقصة جيدة، فإذا تحققت هذه المعادلة أصبح اختيار النجم وقدراته يأتى فى درجة ثانية، لكن عادل إمام يثبت أنه من النجوم الذين تتحطم معهم هذه القاعدة».

غير أن المتأمل لتجارب هؤلاء الخمسة الكبار يدرك أن لتجربة عادل إمام خصوصيتها وتفردها، وهو ما يتجلى فيما يلى:

أولاً: عادل إمام هو الوحيد من بين الخمسة الذى صنع المسرح نجوميته، فقد جاءت ليلى مراد ثم عبدالحليم حافظ من عالم الغناء، وأتت سعاد حسنى إلى الشاشة الكبيرة مباشرة دون أن يكون لها أى تجارب فنية سابقة، وحتى أنور وجدى الذى بدأ مشواره ككومبارس فى فرقة رمسيس المسرحية وله تجربة قصيرة فى الفرقة القومية للتمثيل، تحت إدارة الرائد المسرحى زكى طليمات، فإنه لم يستطع أن يصنع لنفسه تاريخاً مسرحياً يذكر، وجل نجوميته واسمه المحفور بين الخمسة الكبار صنيعة شريط السينما.. أما عادل إمام فكل نقلاته الفنية المهمة كانت نتاجاً لخطوة مسرحية بارزة، مثلاً كانت بدايته السينمائية سنة 1964 هى استنساخاً لبدايته المسرحية فى العام السابق مباشرة، أو قل إنها كانت استثماراً لنجاحه المسرحى من خلال فيلم يحمل عنوان المسرحية ذاتها «أنا وهو وهى»، حين قدم عادل إمام فى هذا الفيلم الشخصية نفسها التى كانت بداية تعارفه بالجمهور، شخصية «دسوقى أفندى» وكيل المحامى، وعندما نجحت مشاركته فى البطولة الجماعية لمسرحية «مدرسة المشاغبين» تجاوز عادل بسبب هذا النجاح اللافت مرحلة الأدوار المساعدة فى السينما إلى مرحلة البطولات الجماعية أيضاً، ثم عزز نجاحه المنفرد اللافت فى «شاهد ما شافش حاجة» من فرص بطولاته الأولى على شاشة السينما بداية من عام 1978، وهكذا مع توالى سنوات عرض «شاهد ما شافش حاجة» ثم «الواد سيد الشغال» كان عادل إمام قد استقر فوق القمة دون منازع، ثم كان استمرار عرض «الزعيم» و«بودى جارد» لسنوات طويلة، وإقبال الجمهور المصرى والعربى على مشاهدتهما استفتاء دائماً على شعبية عادل إمام وتجديداً لها، سواء على خشبة المسرح أو فوق شاشة السينما.

ثانياً: اتكأ عادل إمام فقط فى تلك الحظوة الجماهيرية الكبيرة على موهبته فى التمثيل، فيما كان الأربعة الباقون من ذوى الإمكانيات الفنية المتعددة التى تتيح لأصحابها تدعيم مكانتهم وزيادة فرص نجاحهم، فأنور وجدى جمع بين الكتابة والتمثيل والإخراج والإنتاج وإدارة الدعاية، وليلى مراد وعبدالحليم كانا مطربين وممثلين لهما حضورهما الطاغى إلى جانب إنتاجهما لبعض أعمالهما، شأنهما فى ذلك شأن سعاد حسنى، التى أضافت إلى ذلك كله قدراتها الاستعراضية اللافتة، أما عادل إمام فقد حقق كل ما حققه من خلال موهبته فقط كممثل، ما يؤكد أمرين مهمين: قدراته التمثيلية الفائقة، وصعوبة مشواره حتى وصل إلى تلك القمة العالية.

ثالثاً: من مدهشات القدر أن ظاهرة نجومية الشباك فى الفن المصرى قد شهدت ما يمكن اعتباره تداولاً للنجومية بين هؤلاء العظماء الخمسة، بمعنى أن العام 1955 الذى شهد نهاية مشوار كل من أنور وجدى وليلى مراد، الأول بالوفاة، والثانية بالتوقف القهرى عن التمثيل، هو ذاته الذى شهد ظهور عبدالحليم حافظ على شاشة السينما مدعماً وجوده كمطرب على الساحة الغنائية، وبعده بأعوام قليلة -1959- ظهرت السندريللا الثانية سعاد حسنى لتتسلم الراية من السندريللا الأولى ليلى مراد، وبعد وفاة عبدالحليم حافظ سنة 1977 بعام واحد كان عادل إمام يؤكد قدرته على تحمل بطولة أى فيلم سينمائى بالتزامن مع نجاحه المسرحى اللافت والمستمر فى مسرحية «شاهد ما شافش حاجة»، التى بدأ عرضها قبل رحيل العندليب بعام واحد، وكأن نجومية الشباك فى الفن المصرى كانت بحاجة دائماً إلى ما يشبه التسليم والتسلم، أو أن القدر لم يضع نجوم الشباك هؤلاء فى حالة تنافس مباشر، وأعنى أن النجوم الرجال أنور وحليم وعادل لم تجمعهم -بحكم الزمن- حالة تنافسية حتى وإن تزامن وجود عادل إمام فى حياة العندليب الأسمر، ولكن قبل أن يصل إلى مرحلة النجومية، ومن ثم المنافسة، الأمر نفسه فى حالة النجمتين ليلى مراد وسعاد حسنى، فقد توقفت الأولى قبل أربع سنوات من ظهور الثانية.

رابعاً: تعتبر نجومية شباك عادل إمام هى الأطول عمراً بين أقرانه الآخرين، فأنور وجدى الذى بدأ مشواره سنة 1932 وليلى مراد التى بدأته عام 1938 دامت نجوميتهما الطاغية لمدة عشر سنوات فقط بين عامى 1945 و1955، وعبدالحليم حافظ الذى قذفه الناس بالبيض والطماطم عند ظهوره كمطرب عام 1952 دانت له النجومية الكاسحة لمدة اثنتين وعشرين سنة بين عامى 1955 و1977، وسعاد حسنى التى عرفت ذلك النجاح اللافت منذ ظهورها عام 1959 استمرت نجمة للشباك لمدة تسعة وعشرين عاماً حتى فيلمها الصدمة «الدرجة الثالثة» سنة 1988، الذى أنهت بعده بثلاث سنوات فى «الراعى والنساء» مشوارها الفنى كله، أما عادل إمام وبعد تأرجح السنوات الثلاث عشرة الأولى بين مسرحيتى «أنا وهو وهى» 1963 و«شاهد ما شافش حاجة» 1976، وحتى الآن فقد حافظ على صدارته للمشهد الفنى المصرى والعربى وبقائه نجماً للشباك لمدة تقارب الخمسين عاماً.

خامساً: إن قراءة أخرى لهذا الرقم تقول بكل وضوح إن عادل إمام لم يكن فقط الأطول عمراً بين نجوم الشباك، أو الأخير زمنياً حتى الآن، وإنما تعنى أيضاً أنه بقى ما يقرب من خمسين عاماً بلا منافس حقيقى، مع احترامى لكل الأسماء والقامات التى ظهرت طوال هذه المدة، صحيح أن فى جيله ممثلين اقتربوا منه، وفى جيل الشباب من بعد «إسماعيلية رايح جاى» عام 1997 نجوم حققوا إيرادات ضخمة، لكن نجاح أولئك وهؤلاء كان ينقصه التراكم والاستقرار والديمومة وعدم التذبذب على النحو الذى حدث مع عادل إمام.

سادساً: لا ينبغى النظر فقط إلى نجومية عادل إمام على أنها الأطول عمراً بين العظماء الخمسة، فقد كانت كذلك الأكثر تنوعاً بين مجالات المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون، بعكس الباقين الذين لم يعرفوا هذا التنوع لأسباب ربما تعود بعضها للفترة الزمنية التى ظهروا فيها، والبعض الآخر لعدم توافر الرغبة فى ارتياد مجالات فنية أخرى.

سابعاً: ومن ثم فإن تجربة عادل إمام هى أيضاً الأكثر غزارة بين هؤلاء، مع استبعاد العطاء الغنائى الكبير لكل من ليلى مراد وعبدالحليم حافظ، لأننى أتحدث فى هذه الجزئية عن مشوار هؤلاء فى عالم التمثيل، فقد شارك أنور وجدى فى عدد محدود من المسرحيات، وليس له وجود إذاعى اللهم إلا تسع تمثيليات إذاعية، لا تزيد مدة الواحدة منها على ثلاثين دقيقة، وقدم للسينما 79 فيلماً بين الكتابة والتمثيل والإخراج والإنتاج، ولعبت ليلى مراد فقط بطولة سبعة وعشرين فيلماً دون أى مشاركات أخرى، وقام عبدالحليم ببطولة ستة عشر فيلماً، ومسلسل إذاعى واحد، فيما شاركت سعاد حسنى فى اثنين وثمانين فيلماً وستة مسلسلات إذاعية وعمل تليفزيونى واحد.. أما عادل إمام فرصيده الفنى حتى الآن سبع عشرة مسرحية، ومائة وثلاثة وعشرون فيلماً، وواحد وعشرون عملاً تليفزيونياً، وخمسة مسلسلات إذاعية.

ثامناً: يلفت الانتباه فى قائمة الخمسة الكبار أن عادل إمام هو الوحيد بينهم الذى تم تصنيفه ككوميديان، حتى وإن تقلب لاحقاً على كل أنواع التمثيل، لكن يبقى نجاحه الأساسى ونقطة انطلاقه إلى القمة وتربعه عليها لصيقاً بتصنيفه كممثل كوميدى ذى قدرات عالية، بعكس الأربعة الآخرين ما يؤشر إلى نجاح عادل إمام فى تمثيل تيار الكوميديا داخل هذه القائمة المحدودة من أفذاذ الفن، وانتزاعه اعترافاً نقدياً وجماهيرياً بقيمة فن الكوميديا بعيداً عن النظرة الدونية التى ظلت قرينة بممثلى الكوميديا، كأنهم مهرجون أو بهلوانات فى سيرك يقدمون إسفافاً لا يستحق تلك النظرة المحترمة التى ينالها أصحاب الأداء الرصين، فإذا بوجود اسم عادل إمام بين هؤلاء يؤكد عكس ذلك تماماً.

تاسعاً: أمر لافت آخر يدعو للدهشة فيما يتعلق بالأربعة الآخرين، فقد كان كل من أنور وجدى وليلى مراد زوجين فى الواقع وثنائياً فنياً على شاشة السينما، فكانت حياتهما الشخصية وخلافاتهما الزوجية مثار اهتمام الجماهير وسبباً إضافياً فى الإبقاء على ترديد اسميهما بين المتابعين لأعمالهما الفنية، فضلاً عن حالة الصدق التى كانت تتسرب للمشاهد وهو يرى أنور وليلى فى قصص الحب على الشاشة، ومن ثم كان نجاحهما الاستثنائى مشتركاً ومتزامناً بين عام 1945 الذى شهد زواجما الشرعى والفنى، وعام 1955 الذى شهد نهايتهما الفنية المتزامنة أيضاً، فيما كان كل من عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى يعيشان كذلك -فى الواقع- قصة حب لم تخف على الناس، وزواجاً عرفياً كان مثار لغط الجميع حتى وإن حاول الاثنان إخفاء قصة الحب، وإنكار حقيقة الزواج، فكانت تلك المحاولات سبباً آخر -إلى جانب فنهما- فى زيادة جاذبيتهما لدى الجماهير والاهتمام بما يقدمانه من فن كل على حدة بعكس حالة ليلى مراد وأنور وجدى.

أما خامسهم عادل إمام فقد شق طريقه وحده غير متكئ لا على قصة حب ولا حتى على شائعة حب، ولم يرتبط كذلك بثنائى فنى محدد، صحيح أن ظهوره تكرر مع لبلبة أو يسرا، لكن هذا الظهور المتكرر كان بعد وصول عادل إلى قمة النجومية، ومن ثم لم يستفد هو من هذه الثنائية -إذا جاز التعبير- بقدر استفادة الطرف الآخر فى الثنائى من وجود اسمه بجانب اسم عادل إمام، وهذه صعوبة أخرى تميز مشوار نجاح عادل إمام، الذى لم تساهم فى صنعه أى عوامل غير فنية، وإنما كان فقط نتاج كد واجتهاد فى الاختيار والأداء والاقتراب من هموم الناس


الخبر الاصلي تجدة علي موقع اليوم السابع وقد قام فريق التحرير بنقل الخبر كما هو او ربما تم التعديل علية وجب التنوية عن مصدر الخبر احترما باعدة الحقوق الاصلية لنشر لاصحابها وموقع المنصة الاخبارية لن يتسني لة التحقق من جميع الاخبار المنشورة والمسؤلية تقع علي عاتق ناشريها بالموقع المشار الية سلفا وهو موقع اليوم السابع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى